الحقيقة الثابتة والتي لا يمكن للغنوشي نفيها انه لما خرج من تونس في افريل 1989 متوجها الى المملكة السعودية لم يحمل معه سوى المنحة السياحية و لم يترك في البلاد شيئا يذكر و لما عاد بعد 22عام صار من اغنى اغنياء البلاد بالرغم من كونه لم يعرف عنه انه كان يتعاطى الأعمال او التجارة بل كان معروفا انه كان لاجئا سياسيا في بريطانيا منذ 1992 و هو مصنف عاطلا عن العمل ويتزعم تنظيما اخوانيا معارضا في المهجر و بالتالي فإن ثروته و التي قدرها البعض ب 2700 مليار لا يمكنه جمعها الا من أموال مشبوهة المصدر.
والثابت أيضا أن هاته الأموال هي في معظمها لم يقع ادخالها للبلاد بعد رجوعه و بقيت في الخارج بين ارصدة في البنوك السويسرية و الجنات الضريبية و بين مساهمات في العديد من الشركات التابعة للتنظيم الدولي للإخوان عبر العالم.
دعنا أولا نحاول فهم مصادر هاته الثروات من خلال رصد مختلف الأنشطة و التحركات التي قام بها الغنوشي طيلة أكثر من عقدين فمن الثابت ان الرجل ليس شخصا عاديا بل زعيما لتنظيم سياسي جمع ثروة خارج البلاد و هذا بحد ذاته يضعه موضع شبهة لأن قضية الولاء السياسي لغير الوطني الذي قام بتمويله من المال السياسي بحد ذاتها يعاقب عليها القانون وإذا علمنا ان الغنوشي التقى بزعماء و أباطرة حرب عرب طيلة مدة اغترابه خارج تونس من بينهم رؤساء لدول معروفين بالسخاء المالي من اجل شراء الذمم نذكر من بينهم المرحوم صدام حسين و الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والعقيد معمر القذافي و الرئيس السوداني عمر البشير فلا شك ان جميعهم اغدقو عليه حقائب مالية من الدولارات مقابل ولاء وتوظيف سياسي وليس لسواد عينيه.
الغنوشي التقى ايضا الميلياردار اسامة بن لادن بالسودان عام 1990 و أسس معه الإتحاد العالمي لمحاربة النصارى و الصليبيين و الذي صار فيما بعد بالإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه القرضاوي. و المعروف أن صدام حسين موّل هذا التنظيم أثر حرب احتلاله للكويت عام 1990 و وبعد استقباله للغنوشي و بعض من أفراد التنظيم الإخواني ببغداد اياما قبل بدء معركة عاصفة الصحراء.
كان الغنوشي عند خروجه من تونس يدرك مسبقا انه لن يعود إليها إلا حاكما فعليا بعد أن ترك مريديه يقاسون الويلات ويسومون عذاب السجون بعد أن قدمهم قربانا لبن علي . وضع الغنوشي نصب عينيه إعادة انشاء التنظيم بالمهجر بتوليه زعامة أناس عرف عن معظمهم شغفهم بجمع المال وأدرك ان التحكم بالمال هو الذي سيجلب إليه ولاءهم له فإستعملهم مجرد بيادق لإدارة أعماله و تبييض ماله السياسي شريطة أن يبقى هو المتحكم الوحيد في عملية ضخ رؤوس الأموال.
كان الغنوشي يستفيد ماليا إيما استفادة من بقاء مريديه بتونس بالسجون و حتى بتعذيبهم حيث صنفت معظم الدول الاوروبية حركة النهضة كحركة مظطهدة مما يعطي لمنتسبيها حق حصولهم على صفة اللاجئ السياسي و التي تعني فيما تعني الحصول على اوراق للإقامة الدائمة تمكنهم من الحق في العمل و بالتالي فإن الغنوشي هو المخول الوحيد للادلاء بشهادة في هذا الغرض و من هنا نفهم جيدا كيف كانت تدور المقايضات و لعبة المال مقابل الولاء و كيف أنه وبعد سنوات تنصل العديد من هؤولاء بعد أن شقوا عصا الطاعة و اعتذرن من النظام وولو عائدين لتونس بعدما ادركو أنهم كانو هم ايضا ضحايا للإبتزاز المالي وهنا لابد من الإشارة أن الزعيم المرحوم صالح كركر كان من بين القلائل الذين عارضو الغنوشي بالمهجر و طالبو بفتح تحقيق في اموال التنظيم التي استولى عليها الغنوشي فما كان من هذا الأخير إلا أن حاك ضده ملفا امنيا ووشى به للسلطات الفرنسية فوضع تحت الإقامة الجبرية بعد أن كاد يرحّل في عهد وزير الداخلية شارل باسكوا و يجدر الذكر أن الغنوشي نفسه كان ممنوعا من السفر لفرنسا بناءا على نفس القضية. و من غرائب الصدف ان أكثر بلد كان يتردد عليه الغنوشي بالمهجر هي جينيف التي تعتبر العاصمة المالية للإخوان. حيث كان في الظاهر يلتقي بالمريدين من فرنسا و لكن في الواقع كان لقبض أرباح شركاته و ايداعها بالبنوك السويسرية.
كثيرا منا كان يعتقد أن عودة الغنوشي لتونس كانت مقترنة بسقوط النظام أو بعفو و هذا لم يكن صحيحا بالمرة بل كان ولا بد من تدخل دولي و هذا ما حصل. كانت أمريكا و منذ أن ادركت بأن احتلالها العراق لابد ان تتبعه مفاهمات جديدة في المنطقة العربية تقوم على مبدأ التطبيع وشروط بقاء إسرائيل و كانت تبحث عن عرّابين جديين تتفاهم معهم يعوضون لها الأنظمة المتهالكة و اامتآكلة بالفساد و بالإستبداد ملوّحة للشعوب بجزرة الحرية و الديمقراطية .وأدركت أن الإسلام عوض ان تحاربه يمكنها تطويعه بانتهاج سياستها المعروفة بالاحتواء المزدوج.
زار وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشرق الأوسط السيد نيكولاس بيرنز تونس أواخر 2003 و التقى معارضين للنظام و سألهم عن الطريقة التي يرونها في الإطاحة سلميا بنظام بن علي فأجمعو على أن بن علي هو صنيعة أمريكية ولا يمكن التخلص منه إلا بدعم أمريكي فكانت بداية الإتفاق على ايجاد طريقة لضخ الأموال للمعارضة تحت غطاء دعم الديمقراطية. ادرك الغنوشي سريعا ان رياح التغيير الأمريكي آتية على المنطقة لا محالة و انه لابد ان يكون له دور فيها بعد سقوط نظام صدام حسين الذي تبرأ منه بعد أن أحد منه المال الكثير فسارع لانتهاج سياسة اليد الممدودة و عرض نفسه عرابا و انشأ بالشراكة مع لوبيات النفوذ الأمريكي مركز الإسلام و الديمقراطية بواشنطن و كلف ابن التنظيم ذو الجنسية الأمريكية رضوان المصمودي الإشراف عليه ليكون همزة الوصل للسياسة الامريكية الجديدة بالشرق الأوسط.
بداية من سنة 2006 بدأ قادة التنظيم الإخواني بتونس يخرجون من السجون و على راسهم السيد حمادي الجبالي بعد أن لعب الأستاذ محمد النوري رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين دورا كبيرا في إطلاق سراحه حتى ان مستشار الرئيس بن علي العميد عبد الوهاب الباهي قال للأستاذ أن بن علي اطلق سراحه كهدية منه له و كمبادرة حسن نية و بداية حقيقية لفتح مفاوضات جدية مع حركة النهضة داخل تونس. بن علي كان يبحث في الحقيقة عن تسوية للملف الإخواني تنتهي بالاعتراف بالحركة بعد أن يقطعو صلتهم بعصابة لندن و التي استولت على اموال التنظيم بالخارج.
كان للقاء السفير الأمريكي بالسيد حمادي الجبالي بسوسة عام 2006 و بمباركة من بن علي وقعا صادما على الغنوشي الذي بدى يفقد سيطرته على التنظيم خاصة بعد بداية إنفلات عقده بالمهجر و عودة الأبناء الضالون للوطن الأم تحت شعار “ان الوطن غفور رحيم” ومن ابرز القيادات التي عادت تحت هاته المظلة الدكتور عبد المجيد النجار بعد وساطة الشيخ القرضاوي لبن علي و تلتها زيارته الشهيرة للقيروان في 2009.
كانت أمريكا في البداية تحاول اقناع بن علي إلتخلي عن السلطة تدريجيا و إجراء انتخابات شفافة و ديمقراطية و كان بن علي يرد بأن ذلك سيفضي لاكتساح الإخوان و انه ربما سيقبل بمشاركة اخوان الداخل لأنه يعلم أن مواردهم المالية محدودة و تتناسب مع العملية الانتخابية أما اذا رجعت عصابة الغنوشي فإن التمويل السياسي الأجنبي سيفسد العملية في رمتها. أمريكا كانت تعلم ان كلام بن علي صحيح و منطقي و في مرحلة اولى قررت ان تتدخل هي بنفسها لتمويل الإخوان بالداخل لتقطع الطريق على الغنوشي و تسيطر على التنظيم بتونس فإقترح السفير الأمريكي سنة 2007 على الأستاذ محمد النوري رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ان يكون ممثلا للإخوان في التعامل معهم فرفض رفضا قاطعا بإعتباره لا يمارس العمل السياسي و لأن الإخوان اصبح لديهم قيادة في الداخل بعد خروجها من السجن وهي المخولة الوحيدة لهذا الشأن.
في هاته الأثناء كان الغنوشي و عن طريق عرابه بواشنطن رضوان المصمودي يحاول جاهدا الدخول على الخط و تمكن من استقطاب عناصر فاعلة صُلْب الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين و قام بدعوتهم لأمريكا يتقدمهم سمير ديلو المكلف بالعلاقات الخارجية و بما أن المفاهمة المشتركة كانت تقتضي بأن يكون التعامل مع الإخوان إلا من خلال الجمعية التي اصبحت بالنسبة لأمريكا هي الممثل الرسمي للإخوان في التعامل معها و تحصل الوفد في أمريكا على قسط اولي(غالبا ما سلمه ديلو للغنوشي) من الدعم الأمريكي بدون علم من رئيس الجمعية نفسها على ان يتم تسليم القسط الثاني نقدا لرئيس الجمعية (الممنوع من السفر بقرار سياسي) عن طريق منظمة أمريكية حقوقية تابعة لمجموعة جورج سوروس بتونس بعد أسابيع.
أثر عودة الوفد لتونس تلقى سمير ديلو استدعاء للمسائلة من رئيس الجمعية لتقديم ايضاحات و تقريرا عن الزيارة لأمريكا و كندا حيث تلكأ و لم يحضر و في المقابل و بعد أيام اعلم سمير ديلو الاستاذ النوري عن ان هنالك شخصية أمريكية حقوقية ( امراة من اصول اردنية تنتمي لمجموعة سوروس) تطلب مقابلته على انفراد بنزل الشيراتون و انها على عجل فذهب للقاءها وكان ذلك في شهر اوت 2007 فكانت مفاجأته كبيرة لما قالت له انها تود تسليمه شخصيا بصفته رئيسا للجمعية حقيبة فيها المبلغ المتفق عليه(سرا من قبل الوفد) فرفض و دعاها في المقابل ان ارادت ان يمدها باسماء و عناوين لعائلات مساجين يعانون الفقر و الخاصة فقالت له انها لا ترى مانعا و لكن ذلك لا يدخل ذلك ضمن مهامها التي أتت لتونس من اجلها و انتهت المقابلة سريعا دون تسليم أي شيء.
أياما معدودات بعد ذلك و في ليلة الواحد و الثلاثين من أوت 2007 و بأوامر من الغنوشي نفسه امضى المكتب التنفيذي للجمعية يتقدمهم سمير ديلو و سعيدة العكرمي (زوجة نور الدين البحيري) بيانا انقلابيا تقرر فيه إزاحة (بهاته العبارة !) الأستاذ محمد النوري من رئاسة الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين.
كانت ردة فعل الأستاذ بيان صادر بصفته الرئيس الشرعي ان الانقلاب الذي حصل لا أثر له و انه غير متشبث بالمنصب و تمنى لهم التوفيق في مهامهم( التي لم تعد ذات موجب بعد إن وقع إطلاق سراح كل المساجين ) وبين أن سبب الإطاحة به هي مسائل تلقي الدعم المالي من الخارج و الذي كان رافضا لها.( في الإشارة الى إرادة الغنوشي تحويل الدعم الأجنبي لفائدته )وعلى أثر ذلك اتصلت العديد من المنظمات الدولية الحقوقية بالخارج بالأستاذ النوري للتضامن معه و حصل لديها اجماع بعدم الاعتراف بالانقلابيين و بالتالي فإن أي دعم مالي سيسقط في الماء مما عجٌل بالقيادة الانقلابية في محاولة للتراجع عن انقلابها ومناشدة الأستاذ إعادته على رأس الجمعية إلا انه أصر على رفضه التعامل مع الانقلابيين و أسس منظمة حقوقية أخرى.
الغنوشي لا يشبع من جمع المال ! تصورو وكي اعطيكم مثلا يبين لكم مدى تعلقه به إذ انه قبل اربعطاش جانفي و بخلاف حصوله على حصته من ألارباح السنوية لشركات التنظيم الدولي التابعة للإخوان فإنه يتحصل أيضا على اموال الزكاة التي تدفعها له هاته الشركات لأموالها بإعتبار انه يقدم نفسه انه شيخ لتنظيم فيه الكثير من المساكين و المستضعفين بل ويزيد يتحصل أيضا على جزء من حصة حركة حماس تتنازل له عنها عوض ان تذهب للفلسطينيين .
مراد النوري, حقوقي و لاجئ سياسي سابق بفرنسا